"بنت عمي، سامحيني،
أنا كنت قاعدة معاكي مبارح.
واليوم قاعدة بسجلك من أسماء الشهداء".

أسفرت غارة إسرائيلية على مبنى سكني في غزة عن مقتل 132 شخصًا من عائلة واحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2024. كانت هذه واحدة من أكثر الغارات الإسرائيلية دموية في الحرب بين إسرائيل وحماس. قام الناجون القلائل بتوثيق أسماء القتلى.

لقد كان من الصعب توثيق الخسائر الفادحة التي تكبدتها العائلات الفلسطينية خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة، الذي يعد واحدًا من أكثر الهجمات تدميرًا في التاريخ الحديث.

من خلال العمل مع صحفيين في غزة، قمنا بإعادة تصوير ما حدث لعائلة واحدة كبيرة في لحظة واحدة.

عائلة واحدة. هجوم واحد. 132 اسمًا.

تحقيق في واحدة من أكثر اللحظات دموية في الحرب على غزة.

الإذاعة الوطنية الأمريكية العامة NPR

دانيال إسترين، دانيال وود، أبوبكر بشير، أنس بابا، أحمد أبو حمده، محمود ريحان، كوني هانتشانغ جين

27 نيسان/أبريل 2025

هذه بيت لاهيا، في شمال قطاع غزة، في صيف عام 2023.

كانت عائلة أبو نصر تمتلك مبنى سكنيا في نهاية الشارع وتعيش فيه.

Caption: يُظهر مقطع الفيديو هذا الذي نُشر على تطبيق تيك توك في يوليو 2023 رجلًا مجهول الهوية يقود دراجته النارية باتجاه مبنى عائلة أبو نصر. قُتل عبد الله أبو نصر (19 عامًا)، الذي نشر الفيديو، في الغارة التي وقعت في تشرين الأول/ أكتوبر 2024 على المبنى.

في 7 أكتوبر 2023، هاجمت حماس إسرائيل، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 251 آخرين كرهائن، وفقًا لأرقام الحكومة الإسرائيلية.

ردًا على ذلك، شنت إسرائيل هجومًا ضد حماس في غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 51 ألف شخص خلال أكثر من عام من الحرب، وفقًا لمسؤولي الصحة في غزة.

تم قصف مبنى عائلة أبو نصر في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، قبل أشهر قليلة من وقف إطلاق النار.

في اليوم التالي للغارة، قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف "مراقبًا معاديا" كان يقوم بعمليات استطلاع من على سطح المبنى وشكل تهديدًا للقوات الإسرائيلية. رفض الجيش الكشف عن أدلة بصرية.

تحدثنا مع أحد الناجين القلائل.

وسيم أبو نصر (32 عامًا) نُقل إلى مستشفى في شمال غزة.

كان هناك مع جرحى آخرين من أقاربه.

Caption: في الصورة: بسام أبو غبن (١٠ أعوام) ودعاء أبو نصر، يرعيان محمد فريد أبو نصر (٩ أعوام).

تحدث إلينا وسيم عبر الهاتف من على سريره في المستشفى بعد أسبوعين من الغارة ووصف ما حدث.

في الليلة التي سبقت الغارة، يقول وسيم إنه كان في الطابق العلوي من مبنى عائلته المكون من خمسة طوابق.

ومثل كثيرين في غزة أثناء الحرب، كان يحتمي في المبنى مع عائلته وأبناء عمومته وجيرانه.

تقول العائلة إن أكثر من 200 شخص كانوا متجمعين في المبنى في تلك الليلة.

صانعو أحذية. كهربائيون. طلاب جامعيون. أجداد. أطفال صغار.

تعرض حيهم لهجوم إسرائيلي شرس قطع معظم المساعدات وحاصر المستشفيات وأسفر عن مقتل الآلاف في الأشهر التي تلت. يقول الجيش الإسرائيلي إنه كان يقاتل كتيبة تابعة لحماس حاولت إعادة تجميع صفوفها، وألقى منشورات تدعو المدنيين إلى الإخلاء. وأن معظمهم قد فر بالفعل.

قال وسيم أبو نصر: "حضرنا الشنط".

ولكن كان هناك إطلاق نار كثيف وطائرات مسيّرة في سماء الحي. يقول وسيم إنه أصبح من الخطورة بمكان الهروب. ثم قام الجيش الإسرائيلي بقصف المنزل المجاور، وتطاير الحطام إلى داخل مبنى العائلة، وملأ السلالم بالركام وحاصر جميع من فيه تقريبّا.

اجتمع هو وعائلته في غرفة المعيشة. وضعوا المراتب على الأرض وصلًوا.

وقعت الضربة الكبيرة في صباح اليوم التالي، حوالي الساعة 4 فجرًا.

انهار المبنى بأكمله.

حوصر وسيم أبو نصر تحت الأنقاض مع ابنه البالغ من العمر 7 سنوات.

"سامع ابني بيقولي ’يابا انخنقت’. قلتله ’خذ نفس. شوي وبيطلعونا’".

بعد حوالي نصف ساعة، سمع صوت ابن عمه محمد نبيل.

كان هذا محمد نبيل أبو نصر (27 عامًا)، الذي كان يحتمي في مكان قريب وجاء لإنقاذ أقاربه.

Caption: محمد نبيل (إلى اليسار) ووسيم (في الوسط) مع ابن عمهم هاني أبو نصر يتحدثون عن الغارة.
Caption: محمد نبيل (إلى اليسار) ووسيم يتحدثان عن الغارة.

قال محمد نبيل: "بتطلع عالأرض. فالأرض كلها جثث وأشلاء".

لم تتمكن فرق الإنقاذ في غزة من تقديم المساعدة بسبب الحصار الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على المنطقة.

"قالولي: دبر حالك".

Caption: مقطع فيديو يظهر مبنى العائلة المنهار، تم تصويره صباح الغارة.

قال محمد نبيل أبو نصر أنه ناشد الجيران للمساعدة في انتشال الجرحى والقتلى، وقاموا بتجهيز أكفان الدفن.

جاءت ابنة عمه علا أبو نصر (27 عامًا)، التي كانت تحتمي في مكان قريب، للمساعدة.

دوّنت أسماء القتلى واحدًا تلو الآخر.

في ذلك اليوم، دفنوا أكثر من 100 من أقاربهم في مقابر جماعية.

بعد يومين، استطاعوا الفرار مع ناجين أخرين من العائلة من المنطقة، ومروا عبر حاجز إسرائيلي ولجأوا إلى منزل أحد أقاربهم في مدينة غزة.

استمروا في تحديث القائمة: من بقي على قيد الحياة؟ من يُعتقد أنه قُتل تحت الأنقاض؟

كتبت علا أسماءهم وأعمارهم بالحبر الأخضر، بأحرف صغيرة وفي صفوف مرتبة.

صفحتان، مجموعتان من الأسماء في كل صفحة.

وفقًا لآخر إحصاء لها، قُتل 132 شخصًا من أقاربهم واثنين من أصدقائهم اللذان كانا يحتميان معهم. 134 شخصًا في المجموع. وجُرح أكثر من 40 شخصًا.

في ذلك الوقت، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية ما حدث بأنه ”حادث مروع“، وطلبت من إسرائيل توضيحّا لكنها قالت لـNPR إنها لم تحصل على أي توضيح .

وجهنا أسئلة مفصلة للجيش الإسرائيلي حول الغارة، بما في ذلك كيفية حسابه للخطر على المدنيين. قال الجيش إن الحادث لا يزال قيد المراجعة. سألنا قائدًا عسكريًا إسرائيليًا رفيع المستوى عمّا حدث. تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث علنًا.

قال إن القوات كانت تقاتل كتيبة تابعة لحماس في المنطقة وإنها ظنت أن معظم المدنيين قد فروا.

وقال إن الجيش لم يكن على علم بأن مبنى عائلة أبو نصر كان مليئا بالناس، مضيفا أنه لو كان الجيش على دراية بالأمر لما قامت القوات بقصف المبنى.

طلبت NPR من منظمة Airwars أن تراجع الحادث, وهي منظمة مقرها لندن تتبع الأضرار التي تلحق بالمدنيين في الصراعات العالمية.

قالت المنظمة إنه من بين أكثر من 1000 غارة قامت بتقييمها في حرب غزة، كانت الغارة على المبنى الذي كان يأوي عائلة أبو نصر واحدة من بين الغارات الثلاث الأكثر دموية.

أخذنا القائمة التي اعدتها العائلة بأسماء الجرحى والقتلى، وقمنا برسم مخطط لشجرة العائلة.

وجدنا أن أربعة أجيال من نفس العائلة احتمت معا.

كان لدى كل فرع من فروع العائلة تقريبًا العديد من الأقارب الذين قُتلوا أو أصيبوا.

وجدنا 10 عائلات تم محوها بالكامل وقتل جميع أفرادها.

أكثر من 40٪ من القتلى كانوا من الأطفال.

أصغر الضحايا: طفلة رضيعة اسمها شام (6 أسابيع). دفنت علا أبو نصر الطفلة مع والدها في كفن واحد.

Caption:

صورة عائلية لشام أبو نصر

اثنتان من الضحايا، إسراء أبو نصر ودينا أبو نصر، كانتا حاملين.

أكبر الضحايا: عيسى أبو نصر (79 عامًا) وشقيقته آمنة أبو نصر (75 عامًا).

Caption:

صورة عائلية لآمنة أبو نصر

أما الذين نجوا فقد تكبدوا خسائر فادحة.

فقد وسيم أبو نصر، الذي تحدثنا إليه في المستشفى، زوجته ووالده وجده وأربعة من أشقائه الخمسة. كما أصيب والدته وشقيقته وطفلاه الصغيران.

Caption:

صورة عائلية لأريج أبو نصر (26 عامًا)، زوجة وسيم أبو نصر

شاركت العائلة صورًا لأحبائهم الذين قُتلوا.

دُمر الحي الذي تقطنه العائلة بالكامل تقريبًا هو أيضًا. تُظهر صور الأقمار الاصطناعية مدى سرعة حدوث ذلك.

19 تشرين الأول/أكتوبر 2023

كان هذا حيهم في بداية الحرب. أقاموا في هذا المبنى منذ عام 1988.

11 تشرين الثاني/نوفمبر 2024

بعد أسبوعين من قصف مبنى عائلة أبو نصر.

13 كانون الأول/ديسمبر 2024

بعد شهر واحد فقط.

12 شباط/فبراير 2025

هكذا يبدو الحي الآن.

استخدمنا طائرة مسيّرة للحصول على رؤية شاملة للمنطقة من الجو.

خلال وقف إطلاق النار الأخير، عاد الناس للعيش بين الأنقاض.

يحتمي الناجون من عائلة أبو نصر الآن في منزل متضرر جزئيًا بالقرب من أنقاض مبناهم القديم.

ما زالوا هناك، حتى مع استئناف الحرب. شنت القوات الإسرائيلية هجومًا بريًا جديدًا في منطقتهم.

Caption: في الصورة: عايدة (15 عامًا) شقيقة وسيم أبو نصر، ومحمد فريد أبو نصر (9 أعوام) في 12 فبراير/شباط 2025. في 9 مارس/آذار، تم إجلاؤهما إلى مصر لتلقي العلاج الطبي.

اجتمع أفراد العائلة لالتقاط صورة عائلية أمام منزلهم المدمر.

تقول العائلة إن بعض الجثث لا تزال عالقة تحت الأنقاض.

قالت علا أبو نصر عن عائلتها: "كان كل واحد له حلم".

Caption: علا (في الوسط) مع ناجين آخرين من عائلة أبو نصر
Caption: علا (على يمين الصورة) تقف مع الناجية وفاء محمد الشعراوي خارج المبنى المدمر

"الكل كان له أحلام ما بعد الحرب شو راح نعمل".

"خلص كله تدمر في لحظة".